الأمل

  • Post category:قصص

نعتذر منك ،الاوراق والمستندات والشهادات والخبرات غير كافية.

صاح خالد: لقد حفظت هذه الجملة.
لاأعرف ماذا يريدون ، لدي شهادة في الفلسفة وأتكلم اللغة الإنكليزية بشكل ممتاز ،
ويمكنني استخدام جميع البرامج على الكمبيوتر، وعملت مدرس في ثانوية قريتنا لمدة عشر سنوات، ماذا يريدون أكثر من ذلك.

أنا لا أريد الراتب العالي، ولا الوظيفة المريحة، كل ما أطلبه هو الستر.
عمري ثلاثون سنة ولم أتزوج بعد 
أليس من حقي أن يكون لدي زوجة ؟
أليس من حقي أن يكون لدي أطفال؟
بيت ، سرير ، مساحه لا يشاركني فيها احد
هل هذا كثير .
يالله يارب ماذا أفعل …

تربيت في ملجأ للأيتام وعانيت أشد المعاناة هناك، ولا أهل لي، تعبت كثيراً لأُعلم نفسي واكتسبت مهارات تقويني على الحياة، ومع ذالك لعشرة سنوات، أعمل من الساعة السابعه صباحًا حتى الرابعة عصرا،  لأُدرس الفلسفة، ثم أعود لبيت هو عبارة عن غرفة واحدة وحمام في بناء متهالك داخل قرية فقيرة في اقصى البلاد، وأخر  الشهر أستلم راتب لا يكاد يسد مصاريفي.
تركت وظيفتي في المدارس الحكومية،
وقررت البحث عن عمل أفضل،
منذ سنتين وأنا عاطل،
أصابني اليأس والإحباط وكرهت نفسي والدنيا من حولي.

من نافذة الغرفة أتابع العالم الخارجي وكأنني سجين، 

أشاهد بقالية الحاج تحسين، وصالون حلاق القرية، وأشاهد الشيخ عبد الجليل إمام المسجد يُسرع الخطى للمسجد ليؤذن لصلاة المغرب، والمطر ينهمر عليه بغزارة.

الشوارع خالية من المارة، الكل ملتزم ببيته بسبب الطقس الماطر،

وفجأة تقف سيارة سوداء غريبة عن القرية وينزل منها رجل يلف رأسه ووجهه بغترة سوداء ويحمل صندوق صغير يضعه أمام باب المسجد ويركب سيارته مغادراً بسرعة،

بقيت لدقائق واقفاً، لم أتحرك من خلف النافذة ، شدني الموقف لم اعرف ماذا افعل،

هل هذا الصندوق فيه متفجرات أم ربما فيه ملابس قديمة وتبرعات للمسجد.
سأنتظر قليلاً، الان سيأتي المصلون لصلاة المغرب و سيُخرجوا مافي الصندوق وأَعرف،

ولكن في الأجواء الجيدة يأتي خمس أو ستة من عجائز القرية للصلاة، فما بالك في هذا الجو الماطر أكيد لن يأتي أحد.
الفضول يقتلني لم اعد أستطيع الانتظار
خرجت من البيت مُسرعاً متجهاً للمسجد فهو قريب جداً من بيتي ووقفت أمام الصندوق لأشاهد مافيه، وبقيت للحظات مشدوهاً لما رأيت ! رضيع ملفوف بقماش أبيض ينظر إلي بلا حراك، متفاجئاً لرؤيتي،  يبتسم لي وكأنه يسلم علي، وبعدها بدأ بالبكاء، حملته بيدي ودخلت المسجد وكلمت الشيخ عبد الجليل عن الأمر، فقال لي : نحن في القرية لايوجد لدينا ملجأ للأيتام، وحتى المخفر لن يفيدك،
لابد أن تذهب به الى المدينة لتعطيه الى جمعية خيرية أو ملجأ أيتام وهم يتكفلوا به، خذه معك الى المنزل وغداً صباحاً اذهب للمدينة ولك أجر وثواب ان شاء الله .
حملت الملاك الصغير ودخلت به الى البيت ، كانت ملابسه مبللة من المطر ، خلعت القماش والملابس عنه، وبدأت بتنظيفه بقطعة قماش وماء دافئ، عندها تبين أنه ولد، ألبسته قماش مما لدي ولففته ببطانية صغيرة ثم أحضرت الحليب ووضعته في كيس نايلون وثقبت الكيس حتى يستطيع أن يشرب الحليب،

وبعدها نام بهدوء وأنا نمت بجانبه،
صحوت مع إشراق الشمس على صوته وكان يغرد كالعصفور.

تذكرت كلام الشيخ عبد الجليل بأنه علي أخذه لدار الأيتام.

هيأت نفسي وجهزت الرضيع ثم خرجت من المنزل وركبت الباص متوجهاً للمدينة، وفي الطريق بدأت الأفكار في رأسي، وتذكرت أيام الميتم الذي تربيت فيه، كم كانت تجربة قاسية،

الملجأ دائما قذر والطعام سيئ والمشرفين قساةً لا رحمة لديهم، ماتزال آثار ضرب مشرفين المركز واضحة عل ظهري.

هل أرمي هذا الملاك لهم ؟
هل أجعله يعاني كما عانيت؟
ولكن ماذا أفعل فأنا عاطل عن العمل وغير قادر على إعالة نفسي فكيف أعيل هذا الطفل ؟!
وفجاءة يرن هاتفي ، إنهم شركة من احدى الشركات التي كنت قد تقدمت لهم للعمل أخبروني أنهم يريدون مني الحضور لاستلام العمل فلديهم شاغر في قسم شوؤن الموظفين وبراتب جيد.

سبحان الله أنا انتظر الوظيفة منذ سنتين وتأتي اليوم، لابد أنها إشارة من الله لأُبقي الرضيع عندي، وصرت اقنع نفسي أنه يحتاجني، ليس لديه أحد، مثلي تماماً، سأرعاه وهو صغير و سيرعاني وأنا كبير سيكون ابني وصديقي ورفيقي في هذه الدنيا نعم، سأربيه ولن أتخلى  عنه، ولأول مرة شعرت بسعادة غامرة وأنه اصبح لدي هدف ومهمة كبيرة في الحياة، وأن الحظ بدأ يكون بجانبي، نظرت الى وجهه الرضيع فوجدته مضيئاً فرَحاً يبتسم لي كأنه يقول : شكراً  …

https://www.instagram.com/fikerjadeed/